Minggu, 24 November 2013

التوازن بين الحياتين الدنيا والآخرة



بقلم الدكتور محمد حمدان بن عبد الرشيد
عضو مجلس العلماء الإندونيسي

بسم الله الرحمن الرحيم
           الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلىأله وأصحابه ومن والاه. وبعد فلقد شرفتموني بإتاحة الفرصةالثمينة لي للمثول أمامكم في هذالمجلس المبارك وأنقل لكم تحيات الشعب الإندونيسي على تكرمكم بتوطيد العلاقة بين الشعبين المسلمين شعب جمهورية إندونيسيا وشعب المملكةالمغربية.
           نحن في إندونيسيا ننظر إلى المغرب نظرةالشحص إلى نفسه إذ نجد فيه ما اعتدناه من مفاهيم وممارسات دينية واجتماعية وثقافية كالتوسط  والإعتدال والتسامح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحب أل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والإكثار من الذكر وملازمة طرق الصوفية المبنية على الكتاب والسنة وتكريم العلماء وأولياء الله وغير ذلك من المفاهيم والممارسات المعروفة.
          ولم نجانب الصواب إذا قلنا أن العلاقة بين  البلدين والشعبين علاقة متينة متجذرة في عمق تاريحي طويل تنصهر فيه العناصر الدينية والإجتماعية والعلمية والثقافية والسياسية والإقتصادية . وتزداد هذه العلاقة متانة يوما بعد يوم بفضل سياسة  المملكة المغربية الحكيمة فيما يتعلق بشؤن الدينية والتعليمية.
           واسمحوا لي أن أتناول في هذاالدرس موضوع "التوازن بين الحياتين الدنيا والأخرة" إنطلاقا من الآية الكريمة : (وابتغ فيما أتاك الله الدار الأخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين). وجاء في الحديث الشريف : (ليس بخير كم من ترك دنياه لآخرته ولا أخرته لدنياه حتى يصيب كلا منهما جميعا). وجاء في الأثر (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).
           جاء ت الشريعة الإسلامية لخير الإنسانية في جوانبها وإسعاد الناس في حياتهم الدنيوية والأخروية ولم يقف الإسلام عند حد العبادة والعمل للحياة الأخرة فحسب. وإنما جاء بالدعوة إلى العمل لنيل سعادة الدنيا أيضا وبالتوازن بين الحياتين الدنيا والأخرة
معا شر المسلمين رحمكم الله !
           إذا قرأنا القرأن الكريم والأحاديث الشريفة وجدنا كثيرا من الأيات الكريمة التي أمرتنا بعبادة الله. قال الله تعالى في الأية السادسة من سورة التحريم :"(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)" و العباة  بمعناها لغة هي الخضوع لكل معبود.قال الله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا)؟ ومن الناس من يستعبده حب الثروة اوالجاه اوالمنصب او حب الملذات فتكون إلها ويكون هذاالحب والخضوع والطاعة والجري وراء هذه الألوان من الشهوات عبادة بمعناها لغة. ولكن العباة  بمعناها الخاصة في الإسلام  هي الخضوع لله تعالى وحده أو تحقيق العبودية لله تعالى بفعل المأمورات وترك المنهيات.
           و قد أخبر نا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف لجبريل عليه السلام : (يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لاإله الا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).      
الشهادتين
           فانطلاقا من هذاالحديث عرفنا أن دعائم الإسلام خمس كل واحدة منها أساس ثابت وعماد قويم لإصلاح المجتمع وسعادة الناس وروابطبهم. فأما شهادة أن لاإله الا الله فهي عماد كل دين  : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءبيننا أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيأ ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله). فالإسلام دين التوحيد هو مركزالدائرة في رسالات الأنبياء السابقين أن " لاإله الا الله" عقيدة خالدة قبل خلق الكون وباقية إلى يوم القيامة.
           وإذا تحدث الناس عن التوحيد فإن ذهنهم ينصرف مباشرةإلى نفي التعدد في الذات الإلهية. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرأ. وهذاالمعنى هو من معني التوحيد بيد أن التوحيد في التوجيه القرأني أوسع دائرة وأعمق أثرا. فالتوحيد الحق هو إلقاء العنان كلية إلى الله تعالى في الأمر عملا وأداء غستجابة فورية أوعلى مراحل حسبما يقتضيه الأمر.والقاء العنان في الذهن والإمتناع الراضي عن كل ما نهى الله عنه.
           وتحققت شهادة أن لاإله الا الله باعتقاد القلب واعتراف اللسان واعمال الجوارح. وأما  شهادة أن محمدا رسول الله تحققت بإيمان وإقراراللسان أن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب العربي القريشي عبد من عباد الله إصطفاه الله ليبلغ رسالته للناس وأنزل عليه القرأن هدى للناس وما جاء بأمر من تلقاء نفسه وفقا لقوله تعالى: " (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد).
إقام الصلاة
           الدعامة الثانية إقام الصلاة وذلك لأن الصلاةهي صلة بين العبد وربه. ولعظم الصلاة  ولكونها تنهى عن الفحساء والمنكر ولكونها خشوع العبد إلى ربه لقد فرضت مباشرة من الله سبحانه وتعالى للرسول وفرضت في أكرم مكان عند سدرة المنتهى فرضت في مكان من الرقى والقرب من الله سبحانه وتعالى بحيث لا يستطيع جبريل عليه السلام أن يصل إلى هذاالمكان.
          وتعظيما لشأنها وإجلالا لقدرها جعلها الله الرض الوحيدالذي لا يجوز للمسلم أن يتركه أبدا حتى في الحرب والمعركة وفي حالة المرض وعدم القدرة على الحركة. لأن الإنسان يستطيع أن يصلي مستلقليا أومضطجعا إذا كان المرض يقعده عن القيام أوالجلوس.وترك الصلاة أمر لم يجعل الله سبحانه وتعالى بديلا ولم يرفعه عن عباده ولم يجعل منه فداء.
     ففي تكرير الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة تذكير للعبد بربه وتعويد القلب على مراقبته ومن راقب الله وقف عند حدوده وانتهى عن محارمه وفقا لقوله تعالى : (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).

إيتاء الزكاة
           الدعامة االثالثة هي إيتاء الزكاة. وإذا كانت الدعامة الأولى (الشهادتان) بمثابة غرس العقيدة  والدعامة الثانية (الصلاة) بمثابة رباط متين بين الإنسان وخالقه فإن الزكاة هي الضريبة الإ نسانية . وذلك بإعطاء الأغنياء في كل عام مرة نصيبا من أموالهم التي أتاهم الله من فضله لسد حاجة الفقراء والمساكين. وحكم الزكاة في الإسلام أنها ركن من أركان الإسلام الخمس  وضرورة من ضرورات الإيمان وفرض عين على من توفر شروط الزكاة. وقدفرضت في السنة الثانية من الهجرة وفرضية الزكاة معلومة من الدين بالضرورة. وحكمة الزكاة كثيرة منها شكر لله على نعمة الأموال التي أتاها الله ورحمة للفقراء وتربية لعاطفة الرحمة وعلاج النفس من داء الشح وتطهيرها من أدرانه. يقول الله تعالى في محكم تنزيله : "(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم).      
صيام رمضان
           والدعامة الرابعة هي صوم رمضان وذلك بالإمساك من الطعام والشراب والإمتناع عن الشهوات شهرا كاملا في كل عام من قبيل طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وقدجعل الله تعالى الصوم إختيارا روحيا وتجربة خلقيا وأراد أن يكون وسيلة إلى نيل صفة المتقين. قال الله تعالى :(ياايهاالذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). والتقوى هو الهدف الحقيقي من الصوم. والصوم كركن من أركان الإسلام إنما هو وسيلة إلى غاية نبيلة إنه التدريب على السيادة والقيادة يعني قيادة النفس وضبط زمامها وكفها عن أهوائها. بل إنه التسامي بتلك القيادة على أعلى مراتبها.
          ففي الصلاة حلاوة المناجاة وفي الزكاة أريحية الجود والكرم وفي الجهاد عزة النفس. أماالصيام فإن فيه حلاوة الصبر. لأنه صبر يجر إلى صبر ونصر يقود إلى نصر. ولئن كان الصوم قد علم الإ نسان كيف ينتصر اليوم على نفسه فأجدر به أن ينتصر على عدوه. وتلك عافية التقوى التي أراد الله أن يرشحه لها بالصيام.
           وإن كانت الأعمال كلها يثاب عليها بأضعاف قد تصل إلى السبعمائة إلا الصوم فإن تضعيف جزائه لا يدخل تحت حصر ولا حد. بل الله بمقياسه الإلهي هو القادر على الجزاء به لقوله تعالى في الحديث القدس : "(كل عمل ابن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). والصيام يخلو من شهوات ويرفعه ولهذايقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر واحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). (رواه البخاري ومسلم)   
حج البيت :
           والدعامة الخامسة هي حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. والحج هو قصد البيت الحرام للطواف والسعي والوقوف بعرفة وأداء سائرالمناسك .وهو فرض في العمرمرة على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع ذكرا كان أو أنثى. ودليل فرضيته قوله تعالى في سورة أل عمران 71: "(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)".
           وحكم مشروعية الحج كثيرة جدا منها
1.     تقوية الإيمان بمشاهدة الأماكن المقدسة التي شهدت إنتصار الإسلام وموطن النبي الكريم
2.     زيادة العبادة لله تعالى كما وكيفا بأداء فريضة الحج والعمرة والصلاة في المسجد الحرام التي تضعف أجرها إلى مائة الف ضعف وغيرها.
3.     تحسين الأخلاق لأنه نهى لمن أراد الحج الرفث والفسوق والجدال مصداقا لقوله تعالى : "(الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)"
4.     تدريب النفس البشرية على العبادة والطاعة
5.     تحقيق التقدم الحضاري باجتماع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها في مكان واحد وهذا أيضا إتضاح المساواة في أبهى صورها
6.     اجتماع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها في مكان واحد هو عامل فعال لتوحيد كلمة المسلمين ومظهر من مظاهر العقيدة التي تجمعهم على الحب في الله.
وهذا كله مصداق لقوله تعالى في سورة الحج 28: "(ليشهدوا منافع لهم ويذكر اسم الله في أيام معلومات)".
معاشر الحاضرين رحمكم الله
           وكما دعا الإسلام إلى وجوب السعي والعمل لنيل السعادة في الأخرة كذالك دعا إلى وجوب السعي والعمل لنيل السعادة في الدنيا وذلك بالتحري في كسب المال كما قال سيدنا عمر بن الخطاب : "(عز الدنيا بالمال وعز الأخرة بصالح الأعمال)". وقد حث الله المؤمنين على كسب المال وجمعه من طريق الحلال والنهي عن الكسب الحرام. قال الله تعالى في محكم تنزيله : (يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم). (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لـتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "(من طلب الدنيا حلالا إستعفافا عن المسئلة وسعيا على أهله وتعطفا على جاره بعثه الله يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر. ومن طلب الدنيا حراما مكابرا مفاخرا لقي الله عزوجل وهو عليه غضبان)".
نظرة الإسلام إلى المال :
          نظرة الإسلام إلى المال نظرة ايجابية ولم تكن نظرته إليه نظرة الزهادة فيه والتنفير من اكتسابه واستثماره كما يتوهم ذلك بعض من لا بصر لهم لفهم حقيقته وإدراك جوهره. فقد جاءت تعاليمه ونصوصه صريحة كل الصراحة في الدعوة إلى كسبه من حله كما تقدمت ولكن على أن يكون المال في تقدير الإنسان له وفهمه إياه وسيله لا غاية. وسيلة إلى حياة أفضل وعيشة كريمة راضية تحفظ على المرء ماء وجهه غصا طريا فلا يريقه لمتكرم عليه أومتفضل ممتن.
          ولا ينبغي أن يكون المال في حياة صاحبه غاية تقف عندها الأمال وتتعطل الأعمال فيرى لذته في جمعه واكتنازه ليفاخر به ويكاثر ويخاصم من أجله بالحق والباطل ويرتكب المأثم والمظالم. فهذا كله فهم خاطئ وسقيم لا يقره عقل سليم ولا يرضاه دين قويم لما فيه من تعطيل لنعمة الله من بها عليه عن الإفادة منها والإنتفاع بها فضلا عما في هذا من تعويق للمال عن وظيفته واستخدامه فيما يعود بالخير العام على الفرد والجماعة وبهذا قال الله تعالى : "(الهكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون. كلا لوتعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)".
أهمية المال في إسعاد البشرية:
           لاينكر إنسان سوي عاقل ما للمال في حياة البشرية من أهمية. فهو عصب الحياة وشريانها وهو هدف تتطلع اليه النفوس وتعمل جاهدة لأجل الحصول عليه. إذ به تقوم سعادة الإنسان والمشروعات العمرانية الضخمة وتشاد الحضارات وتؤسس المدنيات. ولولاه لما أقيم بيت يأوي فيه الإنسان مع أهله ومسجد يتعبد فيه المسلمون لربهم ولما استطاع المسلم إيتاء الزكاة وأداء فريضة الحج. فالمال في أهميته هذه يحظى بمكانه لدى النفوس الطيبة التي ترجوه خيرا لها ولمن حولها.
مسؤليتنا نحو المال والقصد في الإنفاق
          وإذا تم للإنسان حصوله على المال وكسبه من حله وجب عليه استخدامه وحسن تدبيره والإقتصاد في الإنفاق منه في غير سرف وترف لا مبررله. وذلك بالموازنة الدقيقة وبرقابة العقل السليم ورؤية الله بين موارده ومصارفه حتى لا يقع في ضائقة تحزنه أو دين يؤرقه فيصير بعد فريسة لهم مقيم وحزن دفين تسوء معه حياته وتضطرب به معيشته. فكم أتى السرف والترف على ثروات طائلة صيرت أصحابها إلى الهاوية فأصبحوا عالة بعد أن كانوا سادة. وحينئذ إنفض الناس من حولهم وكانوا من قبل يسيرون في ركابهم يطلقون كلمات الثناءوالمدح عليهم. إذا فمن الخير للإنسان أن يخطط لحياته وأن يسلك طريق الأقتصاد السليم من غير إفراط ولا تفريط وبدون تقطير ولا تبذير بل وسط بين الأمرين وخير الأمور أوسطها. وبهذا قال الله تعالى : (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) وقال في التبذير (ولاتبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا).
          وقد مدح الله تعالى المقتصدين في النفقات فقال : (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما). وهذاالنص القرأني يؤيد ما قلنا أعلاه. وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم قنعني بمارزقتني وبارك لي فيما أعطيتني واخلف علي كل غائبة لي منك بخير). فالقناعة كما قيل كنز لا يفنى وشعار المؤمن حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيارأمتي القانع وشرارهم الطامع) وقال (ما قل كفى خير مما كثر وألهى) وقد روى أبو نعيم أنه جاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله أوصني وأوجز. فقال : (عليك با ليأس مما في أيدي الناس وإياك والطمع فإنه فقر حاضر).  فالإسلام يكره إضاعة المال وينهى عن الإسراف. فإذا كان الإقتصاد في الإنفاق فضيلة ومحمودة فالتبذير والإسراف فيه رذيلة مذمومة لا يحبها الله تعالى للناس ولا يرضاها فقال: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين). وكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إضاعة المال والتجاوز في إنفاقه والخروج به عن حدود المألوف حتى ولو كان ذلك في المباحات. وذلك تدريبا للأمة والجماعات على الفضيلة والإقتصاد في شؤون الحياة وحتى يصرفنا عن الجري وراء المظاهر الكاذبة والتقاليد البالية وبعض العادات العفنة التي شاع أمرها واستشرى في المجمتع ضررها وسرت عدواها في مختلف أوساط الناس. وهذا واضح في المناسبات في الأعراس وولائم الرياء التي يدعى إليها الأغنياء دون الفقراء.
           ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان المثل الصادق الذي يحتذي به للناس عامة وللمؤمنين خاصة في تقشفه وتعففه وفي بعده عن مظاهر البذح والسرف. وكان لا يحب أن يرى شيأ من ذلك في بيته أوبيت أحد من أهله. ويوما رأى في بيت زوجته عائشة رضي الله عنها سترا على بابه فهتكه ولم يقبل أن يراه. وذهب ذات يوم إلى إبنته فاطمة لزيارتها كعادته فوجد على باب منزلها سترا وفي يديها سوارا من فضة. فرجع ولم يدخل عليها. فدخل عليها أبو رافع فوجدها تبكي وقد أخبرته برجوع أبيها فسأله أبو رافع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "(من أجل الستر والسوار)" فأرسلت بهما بلالا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت قد تصدقت بهما فضعهما حيث ترى. فقال : "إذهب فبعهما وادفع الثمن إلى أهل الصفة". فباع السوار بدرهمين ونصف درهم وتصدق بهاعليهم . وعند ذلك دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (بأبي أنت قد أحسنت).
          فانظرنا كيف أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبنته وأحب أهله إليه أن تتحلى بسوار من فضة وعد ذلك نوعا من الترف الذي لا يليق بابنته على الرغم من أن الإسلام قدأباح للمرأة أن تتحلى بالذهب والفضة ولكن في غير سرف وبذح. ثم قارنا بين هذاالنموذج الحي الصادق لمبداء الإسلام الحق وماعليه بعض نسائنا نساء المسلمين  في هذاالعصرمن الإفراط في الزينة والتغالي في التحلي بالذهب والجواهر الثمينة وحسب الموديلات المتغيرة لنرى الفرق بين هذاالدعي وذلك الواقع الحي. فهل أن لنا أن نتحلى بالإسلام عقيدة وعملا؟ فنكون للمال نعم الأ هل ونعم المتصرف دون تقتير ولا تبذير. وهل حان للنساء أن يقتدين بفاطمة الزهراء وعائشة المثل الأعلى في بيوتهن كزوجات ومربيات ومسلمات. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا إلى أن نغتنم من الدنيا الغنى قبل الفقر أن نحقق رضاء الله قبل الرحيل.
الإنفاق والتبذير:
         الإنفاق يعبر عنه في علم الإقتصاد بأنماط الإستهلاك سواء على مستوى الدولة ام العائلة. وهناك نوعان من الإنفاق : الأول الإنفاق الضروري والثاني الإنفاق التبذيري.ويندرج تحت معنى الإنفاق الضروري معنيان :
1.     الإنفاق على العائلة بأن يوفر في هذاالمال (الكفاية) التي تستطيع العائلة الحياة معها بطريقة كريمة. والنص القرأني صريح في التفكير برعاية الذرية "(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاخافوا عليهم)". وفي الحديث النبوي الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "(إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)" وظاهرمن هذالنص التنويه بأهمية إدخار المال والنهي عن تبذيره.

2.     الإنفاق بنسبة معينة ملزمة تسمى الزكاة إضافة إلى الإنفاق التطوعي الذي بينه الشارع على الأقربين وذوي الأرحام والفقراء والمساكين. قال الله تعالى : "(وأت ذاالقربى حقه  والمسكين وابن السبيل)" وليس في إعطاء المال لهؤلاء أي معنى تبذيري. لأن الإنفاق عليهم ليس تصدقا وإنما هو حق يعاد إلى صاحبه لقوله تعالى :"(والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)"
            أما الإنفاق التبذيري فهوصرف المال الفائض عن الحاجة في مشاريع لا تجلب نفعا سواء كان من ناحية الشرعية أم عيرها. وقد منع الباري عزوجل الإنفاق التبذيري  بقوله تعالى: "(ولاتبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)." إلا أنه نهى عن البخل والتقتير أيضا فقال : : (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)         
           وليكن معلوما لنا بعد كل ما تقدم أن الإدخار عمل مشروع لا ينافي عقيدة الإيمان بضمان الرزق من الله لعباده والتوكل عليه لأنه من أسباب الحصول على الرزق وقد أمرنا باتخاذ الأسباب الموصلة إليه. (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى(
           وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نسأله أن يرزقنا إتباع سنته وحب عترته إنه سميع مجيب.

Tidak ada komentar: